حينما يكون لديك منتج موفق، وناجح إلى حد كبير، تُريد أن تخاطر بكل شيء في محاولة محددة، ومدروسة، وتريد أن تذهب إلى أبعد حد، وتنتج منه بغزارة. إن أكبر مصدر لحمايتك من الغارات، والاعتداءات التنافسية هو الاستثمار الشامل في الموارد، فإذا لم تتحرك بسرعة كافية، فإنك تترك المجال لمنافسيك ليحصدوا ثمار ما زرعته يداك.
إحدى المشكلات التي تواجهك في القيام بذلك تتعلق بالميزانية السنوية. ففي الوقت الذي تعتبر فيه هذه الميزانية وسيلة لمتابعة، ومراقبة أموالك، فإنها توُجد نظاماً فيه القليل من المرونة لاستيعاب التغيرات.
أتستطيع تصور حرب تقوم على ميزانية سنوية؟ فقد تسير الأمور فيها كشيء من هذا القبيل: (آسف أيها العقيد، عليك أن تنتظر حتى شهر كانون الثاني/ يناير للحصول على التعزيزات؛ أي حينما نحصل على ميزانيتنا الجديدة. المشكلة التي تبرز في مثل هذا الموقف تتعلق بالفرصة الضائعة.
إن انطلاقك في تنفيذ برنامجك يُمكن أن يتسبب في خطأ كبير لدى منافسك الرئيس، والفرصة في استثمار هذه الثغرة يمكن أن تتطلب تخصيص زيادة هامة في الجهد والمال. فالانتظار حتى حلول موعد الميزانية القادمة، يعني أن الوقت متأخر للغاية.
لكن الأمر لا ينحصر في كرُهنا، أو حُبنا للميزانية العامة، فنحن في موقف، وُجدنا فيه لنبقى. لقد قضينا، والحالة هذه، سنوات عديدة نبحث عن نظام استهلك مبلغاً محدداً من المال، وتم صرفه على نحو حقق الفائدة القصوى المرجوة منه.
لقد شق ذلك البحث طريقه بصفة أساسية في سوق لشركات تنتج منتجات متعددة، ولها ميزانيات ضخمة، أي في الموقع الذي تكمن فيه معظم المشكلات المتعلقة (بإنفاق الأموال بطريقة أكثر حكمة وروية).
إن مشكلة الأموال التي تعاني منها الشركات الصغيرة أحادية المنتج، تتمحور حول الحصول على أموال كافية للإنفاق، فهذه الشركات لا تملك ـ عادة ـ أموالاً كافية لإضاعتها.
دعونا نحلل الطريقة التي تنفق فيها الأموال عادة، في الشركات المتعددة المنتجات، وخير ما يمكن وصف هذه الطريقة به، في العادة، هو نظام (البنود الصغيرة المتنوعة)، فلكل منتج ميزانيته الخاصة. إن خبرتنا في هذا المجال تفيد بأن المبلغ المحدد في الميزانية، يكون ـ في العادة ـ مبنياً على حجم مبيعات ذلك المنتج أكثر من استناده إلى عوامل أخرى.
وبالنسبة للميزانية، فإن السؤال الذي يتردد على مسامعنا أكثر من غيره، هو: (ما نسبة المبلغ الذي تنفقه الشركات عادة على التسويق، إلى حجم المبيعات لديها؟). إجابتنا على هذا السؤال هي: (ما يكفي لأداء العمل).
إن المشكلة التي تواجه الشركات التي تتبع ذلك الأسلوب، هي أن بعض المنتجات، وخاصة ذات المبيعات الأقل، تعاني من قلة الإنفاق عليها. أما الوجه الآخر للمشكلة، فهو أن المنتجات المستقرة الوضع في السوق، تحصل على حصة الأسد في الميزانية، سواء أكانت هذه المنتجات تحتاج إلى تلك الحصة أم لا! ومَن ذا الذي سيعترف بأن مبالغ هذه الميزانية مطلوبة فعلاً، أم يتم تبذيرها؟
ما يعنيه ذلك، في أغلب الأحوال، هو أن الأفكار والمنتجات الجديدة غالباً ما تنتهي إلى عدم كفاية المخصصات المالية التي تحتاجها. ففي العادة، يواجه طلبك الحصول على مخصصات كبيرة من الميزانية بالنوع التالي من الملاحظات: (قدم هذا الطلب في وقت لاحق حينما تكون أرقام مبيعاتك أفضل). ولكن كيف يتسنى لها أن تصبح أفضل دون توفر المبالغ ا لكافية لأداء العمل؟.
وبالاضافة إلى ذلك، نجد أن كافة المنتجات في نظام معين تعاني من اللامرونة. فالمبالغ التي تستثمر، أو تصرف في جوانب مختلفة هنا وهناك، للمنتج تلو الآخر، يستحيل استردادها. إن هذا النوع من التجزئة في مخصصات الميزانية، يستحيل معه استغلال الفرص الجديدة التي تظهر فجأة في السوق، أو الاستفادة من مواقف المنافسين فيها. (إنها فكرة جيدة يا (هاري)، عُد إلينا في السنة القادمة حينما تتوفر لدينا ميزانية جديدة!).
إن المشكلة في الفرص العالمية الجديدة التي تظهر بسرعة فائقة، تكمن في أنها لا تدوم لمدة طويلة جداً، فسرعان ما تقتنصها، وتستثمرها جهة أخرى غيرك.
تلك هي المشكلات التقليدية التي تواجه ميزانياتكم النموذجية. ونعرض عليكم أدناه أسلوباً غير تقليدي لتحقيق أقصى حد ممكن من الدخل السنوي، حيث يستطيع هذا الأسلوب جعل عدد معين من الأعمال يؤدي بطريقة ملائمة:
الخطوة الأولى ـ إعداد خطط التسويق:
طوّر خططاً تحدد وضع كل منتج حسب دورة حياته التسويقية، فهل تتعامل مع سوق جديدة؟ ما هو وضع المنافسة في هذه السوق؟ ما هو الجانب التنافسي العقلي فيها؟ ما هو موقعك بالنسبة لتوزيع المنتج؟ ما مدى وعي، وفهم، واستيعاب العملاء لمنتجك، وللمنافسة؟
هذه الخطط يجب أن تكون صريحة ومبنية على الحقائق الدامغة التي لا يمكن التنكر لها، وليس على التفكير المبني على الرغبات.
الخطوة الثانية ـ رتب فرص المنتج:
ذلك هو المكان الذي تتدخل فيه الأرقام حينما تحدد المنتجات التي يحتمل أن تدر أرباحاً أكثر من غيرها، إذا ما نفذ العمل بالطريقة الملائمة، فهل يتطلب هذا المنتج، أو هذه الخدمة تقسيط الأسعار؟ هل المنتج، أو الخدمة عبارة عن فكرة جيل جديد يمكنه مساعدتي في تحقيق الريادة في السوق؟ أم هو عبارة عن عمل يتعلق ببضاعة معينة لها جذور تنافسية في السوق؟
هذه الخطوة تتطلب بالفعل عملاً حدسياً واعياً؛ ذلك لأنك لا تستطيع التنبؤ بالمستقبل، فما تحول فعله هو تقييم، وتثمين قيمة كل خطوة تخطوها لتحديد أي منتج، أو كل خدمة تتوفر لها أفضل الفرص لتحقيق الربح الأفضل.
إليك هذه التلميحات المساعدة في تحديد قيمة التقييم والتثمين: ثمِّن حجم منافستك في كل معركة، فكلما كانت المنافسة أضعف، تحسنت فرصتك في النجاح، فمنافسة الجيوش الضخمة المدربة تدريباً عالياً لا يوجد فيها الكثير من اللهو، والتسلية.
الخطوة الثالثة ـ خصص مهمات الإعلانات التجارية:
حيث إن الإعلانات التجارية تفضي إلى تحمل الجزء الأكبر تكلفة ضمن الخطة التسويقية، ومن الأهمية أن تتأكد من صرف المخصصات المالية للإعلانات في الأماكن التي تؤدي فيها الغرض المحدد لها.
فعلى سبيل المثال، الإعلانات التجارية لها فائدة خاصة في توعية العملاء بأفكارك، ومنتجاتك الجديدة، وقد تكون مفيدة أيضاً في مقارنة منتجك بمنتج منافسك. (من خلال تصوير الجانب العقلي التنافسي لديك بطريقة مسرحية).
لن يكون للإعلان التجاري تأثير بالغ على عميل محتمل حينما تحاول إقناع ذلك العميل، أو تغيير ما يدور في عقليته، فمن المستحيل إقناعه حقاً. ولن يكون للإعلان تأثير بالغ أيضاً إذا كان يوفر التسلية، والترفيه لعملائك المحتملين، ولا يغرس فكرة (التميز) في عقولهم.
الخطوة الرابعة ـ توقف حينما لا يتوفر لديك المال:
ذلك هو الموقف الذي يتعين على كبير المديرين التنفيذيين أن يتوقف دونه، وأن يكون قليل الإحساس، ومتحجر القلب في مواجهته.
حينما تنتهي من تحديد قائمة أولويات برامجك المختلفة استناداً إلى الأرباح المحتملة، والمهمات المؤثرة، باشر عملك من أعلى القائمة متجهاً إلى الأولويات الأدنى. فإذا كان جميع ما تستطيع تحمل تنفيذه لا يتجاوز ثلاثة برامج رئيسة، فليكن الأمر كذلك. وحينما تبلغ هذا الحد الأقصى، أي حد البرامج الثلاثة، فإن ما تبقى من البرامج على قائمة الأولويات ليس له نصيب في التنفيذ، وينبغي تأجيل تلك البرامج إلى السنة التالية. واصل أداءك بقليل من الجهد دون أن تتعرض للنقد. وما تحاول فعله، رغم ما تعانيه حتماً من صرير الأسنان، هو تجنب بعثرة الكثير من المال هنا، وهناك على عدد من المشروعات. إن ما تريده هو الحصول على أقصى حد ممكن من الإيرادات مقابل بذل قصارى الجهود.
ثمة ملاحظة أخيرة: لقد وصفت عملية الميزانيات السنوية كعملية تخص شركة معينة. بامكانك أن تطبق هذا الأسلوب على أحد الأقسام فقط في الشركات الكبيرة. وبعبارة أخرى، بامكان كل مدير قسم من الأقسام في الشركة الكبيرة أن يطور ميزانياته باستخدام الطريقة نفسها.
المهم في هذا الأسلوب هو الانهماك الكلي الشامل للإدارة العليا فيه، فهو بمثابة لعبة لتخصيص الأموال، لا لبعثرتها، فأنت لا تنفق الأموال حسبما يمليه عليك الوضع الراهن، إنك تحاول تخصيصها على النحو الأمثل لمواجهة الفرص المستقبلية، كما أنك تتأكد من إنفاق ما يكفي لأداء العمل على الوجه المطلوب.