الاستثمار في البورصة يتطلب قدرة على تحمل المخاطرة
بدايات شابها بعض الكبوات، إلا أنها لم تحبطه، وإنما كانت دافعا قويا للتعلم والاستمرار في التجربة التي بدأت بمستثمر صغير لا تتعدى محفظته الاستثمارية بالبورصة المصرية آلاف الجنيهات، لتتخطى مع مرور الوقت حاجز الأصفار الستة (أي المليون جنيه مصري).
"عبد الحق. ج" (62 عاما) الذي خرج على المعاش، وهو عامل بسيط بإحدى الجرائد المصرية، يكشف لنا أن الناس البسطاء يمتلكون مهارات تمكنهم من اقتحام أصعب المجالات الاقتصادية، وعمل تراكم مالي وخبراتي، حتى ولو لم يكن لديهم مؤهلات علمية؛ فالقضية أحيانا تتلخص في الذكاء الفطري والصبر والقدرة تحمل المخاطرة وعواقبها.
هذا المستثمر التقته "إسلام أون لاين.نت" ليقدم خبراته في كيفية الاحتفاظ بمحفظته الاستثمارية وتنمية قيمتها السوقية، والتي تبدأ من طريقة تحديد هدفه من الاستثمار، مرورا بعوامل اختيار الأسهم، ومؤشرات نجاحها، وعلاقته بشركات الوساطة المنفذة لعملياته، وانتهاء بقراءة الأخبار المثارة حول الشركات المتداولة.
البداية بـ5 آلاف جنيه
في أوائل التسعينيات، بدأ العامل البسيط تجربته مع البورصة المصرية، حيث قرر استثمار نحو 5 آلاف جنيه، رغم أنه لم يكن يعرف أي معلومات عن هذا النوع من الاستثمار. فكر في الاستعانة بأحد الأصدقاء الذين سبقوه في خوض هذه التجربة وكان لهم بعض الخبرات فيها، خاصة في اختيار شركة الوساطة المالية التي تقوم بتنفيذ الأوامر التي تتلقاها من العميل.
وكما يقول عبد الحق فإن هذه الشركات تلعب دورا في نجاح وبقاء المستثمر بالبورصة، خاصة إذا ما تمتعت بقدر كاف من الخصوصية التامة للعميل وأداء المهام بقدر عال من الكفاءة. امتدت علاقته بشركة الوساطة إلى حد تكوين صداقات مع المسئولين والقائمين عليها، لدرجة أنهم كانوا ينفذون في بعض الأحيان عمليات لصالحه بمجرد اتصاله هاتفيا، دون الحضور إلى مقر الشركة وتوقيع أمر شراء أو بيع.
وربما كانت أولى عملياته في البورصة دافعا قويا للفرار بما تبقى من استثماراته، بعد الخسارة التي تعرض لها جراء انخفاض سهم إحدى شركات الزيوت التي اندفع للشراء بها فور تداولها، والذي تحدد سعر التداول حينها بـ45 جنيها مصرية، إلا أن هذا السعر استمر في الهبوط إلى أن وصل مع مرور الوقت إلى 5 جنيهات.
ورغم هذا الانخفاض فإنه لم يفكر في التخلص من السهم في الوقت المناسب، لقلة خبرته بالسوق ووضع الشركة القائم، وكان هذا أول درس يتعلمه من التعامل في البورصة، والذي يلعب فيه الوقت عاملا مهما.
بالإضافة إلى أهمية الدراية الكافية بوضع الشركة ومدى صمود سهمها أو انهياره، فلا بد من تحديد أنسب وقت لشراء الأسهم وبيعها، والذي يتحدد بناء على اتجاه السوق، وهل هذا الاتجاه ما زال مستمرا في الصعود أم غيّر المسار وبدأ مرحلة الهبوط.
تنويع المحفظة
في أعقاب هذه العملية التي خرج منها عبد الحق بقدر غير قليل من الخسارة، قرر بناء على نصائح بعض أصدقائه والعاملين بشركة الوساطة التي يتعامل معها أن يصنف محفظته على أساس تنويع الأسهم لتمثل كل واحدة منها نوعا من الاستثمارات طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل.
وساعدته هذه النصيحة في تنمية القيمة السوقية لمحافظته، خاصة أن الدراسات تشير إلى أن تكوين المحافظ الاستثمارية يعتمد على فلسفة الفرد نفسه ومدى استعداده لتقبل المخاطرة، وكذلك احتياجاته الخاصة، فيما إذا كان يهدف بالدرجة الأولى إلى الحصول على تدفق نقدي ثابت وبشكل دوري (شهري أو ربع سنوي أو سنوي) أو أنه يهدف إلى تعظيم الأرباح.
وهناك العديد من الأفراد الذين يسعون إلى تكوين محافظ متوازنة، أي إن بعضها يتضمن درجة عالية من المخاطرة، والبعض الآخر درجة قليلة من المخاطرة، وتنضم هذه المحفظة إلى نوع محفظة الربح والعائد: وهي المحفظة التي اتجه العامل البسيط إلى تكوينها، بحيث تجمع أسهما مختلفة يتميز بعضها بتحقيق العائد، وبعضها الآخر بتحقيق الربح.
ويقول: "أكبر العوامل التي ساعدتني على النجاح والبقاء في البورصة هو تكوين محفظة تتمتع بأعمدة تمكنها من البقاء.. لذا كان لا بد من النظر إلى ضرورة تنويع الأسهم المستثمر بها، وعدم وضع كل ما أملك في سهم واحد إذا تعرض للهبوط خسرت مالي كله".
ونجح عبد الحق بالفعل في أن تضم محفظته أسهما تدر عائدا ثابتا، لا تتأثر كثيرا بتقلبات السوق، مثل: أسهم الأدوية والبنوك والأسمدة والأسمنت، وبعض شركات الغزل والنسيج التي لديها العديد من الأنشطة المحلية والتصديرية. كما أن بعض هذه الأسهم تضخ كوبونات تعطي عائدا ثابتا سنويا مثل شركات الأدوية في مصر التي عادة ما تكون قليلة التقلب من الناحية السعرية، وعائدها يمكن أن يغطي بعض الخسائر في القيمة الرأسمالية للسهم.
وغالبا فإن سعر السهم يرتفع قبيل صرف العائد أو الكوبون، وفي هذه الحالة يمكن للمستثمر المقارنة بين استرداد قيمة سهمه بالسعر الحادث أمامه، أو الحصول على الكوبون، ولا يهتم بالسعر بعد صرف العائد.
أسهم متوسطة الأجل
بجانب هذا الاستثمار الذي يعتبر طويل الأجل، يقوم بالاستثمار في أسهم مثل المقاولات والإسكان والتعمير والمطاحن كمتوسطة الأجل. ويقول عن هذه الأسهم: "مهما نزل أسعارها، فربحيتها غالبا ما تتمتع بالارتفاع، والتي قد تصل فترة الاستثمار بها إلى عدة سنوات، وذلك بجانب استثمارات قصيرة الأجل، بحيث أحدد الفترة التي أستثمر بها وأقوم بشراء حصة من الأسهم أقوم ببيعها حال تحقق هامش ربح مُرض والتخلص منها في أقرب مناسبة".
ويشير إلى أنه قد يتم الاستثمار في أسهم شركات متداولة خارج المقصورة، موضحا أن ذلك حدث مع إحدى شركات المقاولات التي قام بشراء حصة من أسهمها بينما تأكدت لديه معلومات أنها ستباع لعدد من المقاولين؛ الأمر الذي كان يتوقع معه ارتفاع أسهمها بعض الشيء والاستفادة من فارق الشراء والبيع.
إذن استطاع المستثمر المليونير أن يتخذ خطوات نحو تحديد أوزان بعينها للأسهم التي تحتويها محفظته، بحيث يكون لكل شركة وزن، إذا ما تعرض للخسارة أو الهبوط تمكن من تعويضه من خلال الشركة الأخرى. وحرص على ألا يشتري في كل عملية أكثر من 25 سهما، بما يتيح له التحكم بسهولة في إدارة هذه الأسهم سواء، خاصة إذا ما هبطت أسعارها.
وحتى يحافظ على تحديد أوزان كل شركة داخل المحفظة الاستثمارية، يقوم بتحليل المحفظة كل فترة (شهر مثلا)، خاصة أن التغيرات التي تطرأ على السوق ووضع الشركات بها تسمح بتغير هذه الأوزان، سواء لارتفاع بعض الأسهم التي تحتويها المحفظة أم انخفاض بعضها، وعندها يتم إعادة الأوزان إما ببيع جزء من الأسهم التي ارتفعت أو شراء الأسهم التي انخفضت.
كيف يختار السهم؟
ويلعب اختيار السهم دورا مهما في ارتفاع القيمة السوقية للمحفظة الاستثمارية الخاصة، والتي وصلت إلى نحو مليوني جنيه (الدولار= 5.80 جنيهات تقريبا)، كما يقول عبد الحق.
ويؤكد أن هناك بعض المؤشرات التي يمكن استخدامها في اختيار السهم، وتقدير إذا ما كان رخيصا أم غاليا، ومن ذلك ما يسمى بمضاعف الربحية للسهم، وهو عبارة عن خارج قسمة السعر السوقي له على صافي الربح المحقق. وكلما كان هذا المضاعف منخفضا عن مضاعف السوق أو مضاعف القطاع الذي ينتمي إليه السهم -كان هذا السهم جديرًا بالشراء.
ويحرص في اختيار الشركة التي يقوم بالاستثمار في أسهمها على فحص وضع الشركة بالسوق ومستقبلها، خاصة هيكل التمويل الخاص بها، وما إذا كان يعتمد على التمويل الذاتي (رأس المال) أكثر، أم على القروض أكثر.
ومن خلال خبرته بالسوق فهو يفضل الشركة التي تعتمد على مصادرها الذاتية في تمويل استثماراتها، خاصة في ظل تجربته مع إحدى شركات المقاولات التي تعرضت للخسارة وقت ركود العقارات أواخر التسعينيات بجانب سحبها على المكشوف من البنوك لتمويل استثماراتها؛ وهو ما عرض سهمها للانهيار.
كما ينبغي النظر بجدية إلى حركة السهم في السوق؛ إذ يجب أن يكون السهم نشيطا إلى حد ما في التداول، حتى يتيسر للمستثمر الخروج منه بسهولة وقتما يريد: إما لأن سعره يحقق له ربحًا، أو لأنه وجد فرصة استثمار بديلة.
وربما كان للأخبار المتداولة عن الشركات دور مؤثر في قرارات عبد الحق بالاستثمار في شركات دون غيرها، حيث رتب مصادره في تقييم الشركات بالدراسات التي تجريها شركة الوساطة التي يتعامل معها، بجانب الأخبار المنشورة عن هذه الشركات بصفحات الجرائد الاقتصادية المتخصصة التي حرص على متابعتها بشكل دوري، بالإضافة إلى حضور الجمعيات العمومية للشركات التي يساهم بها ومتابعة تقاريرها السنوية.
ولا يمكن إغفال عامل مهم في تجربة عبد الحق وهو فصل هذه العملية الاستثمارية تماما عن أي التزامات مالية تجاه أسرته، فيؤكد حرصه دائما ألا تؤثر التزاماته الأسرية على الاستمرار في البورصة، أو تنفيذ بعض العمليات الخاصة بالبيع لصالح سد احتياجات أسرية معينة.