تنتشر المشروعات الصغيرة والتي لاقى بعضها النجاح والأخرى الفشل المبكر في المملكة العربية السعودية، ومن الملاحظ أن نسبة الفشل في ازدياد مما جعل من هذه ظاهرة منتشرة في أسواقنا، ويمكن تقسيم أسباب فشل المشروعات الصغيرة إلى مجموعتين:
1- أسباب تتعلق بالظروف الداخلية للمنشأة (أسباب خاصة بالمنشأة).
2- أسباب تتعلق بالظروف الخارجية وهي ظروف خارجة عن إرادة المنشأة وتكون نابعة من البيئة الخارجية المحيطة بالمنشأة مثل الظروف الاقتصادية والسياسية والقانونية والاجتماعية والسكانية والتكنولوجية والتنافسية..الخ.
وبالنسبة للأسباب التي تتعلق بالظروف الداخلية للمنشأة فإنه يمكن إيجازها كما يلي:
السبب الأول
عدم كفاءة وفعالية الإدارة، يلاحظ أن عدم كفاءة وفعالية الإدارة هو سبب رئيسي في فشل المشروعات الصغيرة في المملكة، ومعظم الأسباب التي سأذكرها تمت لهذا السبب بصلة أو بأخرى.
الإدارة علم وفن يحتاج إلى مهارات وخبرات ودراية ونحن نحتاج للإدارة وأصولها في كل أوجه المشروع الصغير.
وفي مجال التسويق والتمويل والمشتريات والإنتاج فإن الحاجة إلى التخطيط وتوجيه العاملين ورفع قدراتهم الإدارية تزداد لتصحيح الاختلال مبكراً بدلاً من أن ننتظر حدوث هزة للمشروع قد تؤدي إلى خروجه من السوق.
كثير من المشروعات في المملكة تدار من قبل شخص واحد هو المالك والمدير وقد يرتجل الأمور ارتجالا حيث يعتقد أن كل ما يحتاجه هو رأس مال، ثم بعد ذلك يبدأ في عرض السلعة المنتجة في السوق، إن اتباع أسلوب الإدارة- الصح والخطأ- يمارس من قبل بعض المشروعات، وهذا مكلف، فالأمور في عصر المنافسة ووعي المستهلك تحتاج إلى تخطيط مدروس على أسس علمية وإدارية وليس ارتجالية، بالتأكيد نحن لسنا البلد الوحيد الذي يعاني من هذه المشكلة حيث يحضرني الآن دراسة أجريت في الولايات المتحدة وسئل الدائنون عن أسباب فشل المشروعات الصغيرة فأجابوا بأنهم يعتقدون أن 90% من أسباب فشل المشروعات الصغيرة تعود إلى نقص الخبرات والمهارات الإدارية، كما أشاروا إلى أن 45% من هذه المشروعات لم يكن هناك حاجة لإنشائها من البداية نظراً لعدم كفاءة أصحابها.
هذه المشكلة تحتاج إلى وعي إداري ويمكن حلها عن طريق تقديم دورات تدريبية في مجال التخطيط والتنظيم والرقابة والتوجيه على مستوى الإدارة العليا وعلى مستوى الإدارات التنفيذية مثل التسويق والإنتاج والمالية وذلك لمن أراد أن يدخل مثل هذا المجال.
السبب الرئيسي الثاني
من أسباب فشل المشروعات الصغيرة عدم القيام بالدراسات اللازمة سواء دراسات جدوى أو دراسات أولية قبل إنشاء المشروع، عادة نفترض أن مجرد نجاح مشروع معين في منطقة جغرافية معينة يعني نجاح مشروع مماثل إلا أن السوق متغير والمستهلك متغير لذلك نحتاج إلى دراسة توضح لنا عدد المنشآت التي تغطى طلب هذا القطاع السوقي الذي نستهدفه وغيرها من المعلومات المهمة.
السبب الرئيسي الثالث
أسباب متعلقة بالجانب التسويقي، التسويق علم وفن بدأت تظهر أهميته في سوقنا في الآونة الأخيرة، التسويق باختصار يقوم على دراسة رغبات واحتياجات القطاع السوقي الذي نريد أن نخدمه ودراسة الفرص التسويقية مسبقا ثم نقوم بإشباع هذه الحاجات عن طريق المعروض السلعي الذي نقدمه بالألوان والعبوات والمواصفات التي يرغبها المستهلك وليس الذي ترغبه الإدارة كما يهتم التسويق بتوزيع هذه السلع بالوقت المناسب والكمية المناسبة وفي المكان المناسب.. وقد أصبح التوزيع الآن السلاح التنافسي الكبير ولم تعد الأسعار هي السلاح التنافسي الوحيد لنجاح المشروعات، أيضا يهتم بالتسويق بترويج هذه السلعة عن طريق رجال بيع مهرة وقنوات الإعلان المتاحة (صحف ومجلات وتلفزيون) وعن طريق تنشيط المبيعات (هدايا ومسابقات وتخفيضات)، إن المفهوم الحديث للتسويق بدأ بعدما اشتدت المنافسة وهو ينادي بأن المستهلك هو سيد السوق، وأن إرضاء المستهلك هو الهدف من العملية التسويقية، لذا يجب تقديم السلعة أو الخدمة وتسعيرها وترويجها بما يرضي المستهلك وليس كما نراه نحن، وقد أصبح التسويق بهذا المفهوم لغة العصر، ولو ألقينا نظرة على البرامج التدريبية التي تقدمها الغرفة التجارية الصناعية بالرياض للمسنا الاهتمام الكبير بالبرامج التسويقية نظرا لحاجة السوق لهذا، فالسوق الآن أصبح سوق مشترين، أي أن المشتري وليس البائع هو الذي يملي شروطه، وعلينا كرجال أعمال أن نرضيه، من خبرتي في هذا المجال ألاحظ أن كثيراً من القرارات التسويقية تؤخذ على أساس ارتجالي، ففي بعض الأوقات تستخدم قنوات ترويجية قد لا تصل إلى السوق الذي نريد خدمته، أو قد لا تتاح لنا الأموال اللازمة لاستخدام القنوات التي تصل إلى المستهلك كالتلفزيون مثلا، هناك نقطة هامة بالنسبة للجانب التسويقي وهي رجال البيع فهم واجهة المنشأة وهم من يعطي الانطباع السيئ أو الجديد عن المنشأة وهم من يحل مشاكل المستهلك ومع ذلك نلاحظ اعتمادنا على العمالة الأجنبية في هذا المجال والتي قد لا تتفاعل مع بيئتنا وقد ينقصها الخبرة والتدريب مع ظروفنا التسويقية المحلية، يجب الاهتمام بالتسويق فالمستهلك الآن أصبح لديه وعي فهو لا يتعامل إلا مع المنشأة التي تحقق وتشبع رغباته وحاجاته.
السبب الرابع
من أسباب فشل المشروعات الصغيرة، اختيار الموقع غير الملائم للمشروع، وهو يعتبر سبباً رئيسياً حيث نلاحظ أن بعض المشروعات الصغيرة تعتمد في ربحيتها على معدل دوران السلعة وليس على هامش الربح، أي يجب أن يكون هناك عدد كاف من المشترين الذي أود أن أخدمهم، فمثلا حي معين في مدينة الرياض قد لا يحتمل أكثر من بقالتين والبقالة كمشروع تعتمد في ربحيتها على معدل دوران السلعة (كمية مبيعاتها في اليوم) وليس على هامش الربح(الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء) ومع ذلك وبسبب نجاح هاتين البقالتين نفاجأ بفتح خمس أو ست بقالات، السوق محدود وعدد المستهلكين محدود ولأن معدل الدوران مهم فإن اختيار الموقع المناسب مهم.
هناك ما يسمى بسلع التسوق وهي السلع التي لايشتريها المستهلك ألا بعد مقارنة الأسعار والجودة والموضة وخدمات ما بعد البيع، وهنا يتطلب الأمر أن يكون موقع المشروع بجانب سلع التسوق الأخرى كالأقمشة مثلاُ، فهي توجد في موقع واحد لأن سلوك المستهلك سيذهب إلى المكان الذي توجد فيه أكثر من محل ليقارن بين الأسعار وخدمات ما بعد البيع ليختار الأفضل، لذلك إذا كانت السلعة التي تقدمها هي من سلع التسوق فمن المهم أن نختار الموقع في مكان يوجد فيه عدد من المحلات التي تقدم نفس السلعة التي تقدمها كما نلاحظ في محلات الأقمشة والساعات وهذا تماماً عكس ما ذكرناه عندما يتعلق الأمر باختيار موقع للبقالة.
السبب الخامس
نقص المعلومات الحيوية أو عدم توفرها بدقة، صاحب المشروع الصغير يحتاج إلى معلومات تسويقية عن المستهلك (المشترين الحاليين والمحتملين) وفي المملكة المعلومات مبعثرة وهناك صعوبة في الحصول عليها وصاحب المشروع الصغير ليس لديه الوعي الكافي بأهمية هذه المعلومات قد يتجاهلها ويفتتح مشروعه بناء على الحدس والتخمين والارتجال في معظم الأحوال مما أدى في كثير من الحالات إلى تخبط القرارات وخروج المشروع من السوق بعد فترة قصيرة من ابتداء الشغل.
السبب السادس
نلاحظ أن الكثير من أصحاب المشروعات الصغيرة ينشغل عن إدارة المشروع فهو يرى بأن غيره نجح وبالتالي هو سينجح وكل ما يحتاجه هو تكوين رأس مال واستقدام عمالة غير مدربة يوكل لها جميع الأعمال الإدارية، وينشغل بأعماله الخاصة، كما قلنا سابقاً، المنافسة اشتدت والمستهلك أصبح واعياً، وشروط النجاح في السوق أصبحت صعبة، ونحن نحتاج إلى المالك والمدير الواعي، وفي نفس الوقت الذي يخطط وينظم ويراقب السوق وتغيراته، إحدى المشاكل الرئيسية فيما يتعلق بانشغال صاحب المشروع عن متابعة أعمال المشروع، وإن كثيرا من محلات الخدمة كالخياطة مثلاُ تعتمد في نجاحها على مهارة عامل أو عاملين ولو فقد المشروع هذا العامل الماهر ماذا يحدث له؟ إذا لم نخطط لاستبداله في الوقت المناسب داخلياً أو خارجياً قد ينهار المشروع لأن الأساس الذي بني عليه نجاح المشروع وهو العامل قد انهار.
السبب السابع
النجاح أي الرضا بالوضع الحالي: كثير من المشروعات الصغيرة نجحت فافترض صاحبها أن الوضع سيستمر فأدى ذلك إلى الجمود والتقاعس وعدم الابتكار وعدم مراقبة السوق، وحيث إننا في عصر تغير السوق وتغير أذواق المستهلكين وقد يظهر منافس قوي يقدم خدمات وأسعارا أفضل وصاحب المشروع غافل عن ذلك مما يؤدي إلى خروجه من السوق.
السبب الثامن
يتعلق بالنواحي المالية: نحن لا نلتزم بالذمة المالية المستقلة للمشروع ، فالمشروع يحتاج إلى مراقبة التدفق النقدي (المدخلات والمخرجات) وقد يحتاج إلى سيولة نقدية في وقت لا نملك فيه هذه السيولة وهناك صعوبة في التمويل من قبل البنوك فماذا يحدث؟ قد يستدين صاحب المشروع حتى يعجز عن السداد فيعسر وتحدث الكارثة.
السبب التاسع
هناك سبب أخير وهو أن المشروع الصغير لا يحظي بالتسهيلات التي تحظى بها المشروعات الأخرى في المملكة، أين الجهة المركزية التي تنظم الدراسات الخاصة بهذا المشروع؟ أين التسهيلات الجمركية؟ أين منح الأراضي والتسهيلات في هذا المجال؟ أين مركز المعلومات الذي يقدم الدارسات ويمنح صاحب المشروع المعلومة في الوقت المناسب؟ المشروع الصغير ليس مجرد فكرة ورأس مال، بل هو عدة جوانب مترابطة تحتاج إلى تنسيق.