أن ثورة المعلومات هي القوة الأساسية القادمة لجميع الدول، ومن خلال هذه القوة تستطيع البلدان تحريك عصا اقتصادها وتوفير فرص العمل لشعوبها،وجذب رؤوس الأموال من جميع دول العالم.كما أن الشركات لا تتخذ قراراتها عشوائياً،بل تعتمد على الكمية الهائلة من المعلومات التي لديها لاتخاذ القرارات السليمة.ما هو سبب تأخر البلدان العربية في ثورة المعلومات؟وما هي المعوقات الأساسية التي تعيق التسويق الإلكتروني في البلدان العربية؟ وما هي منعكسات التسويق الإلكتروني وآثاره الاقتصادية؟.
أولاً: حالة التسويق الإلكتروني وأسباب تأخرها في البلدان العربية :
تختلف صورة التسويق الإلكتروني في البلدان العربية عن باقي بلدان العالم،إذ أن العديد من الشركات العربية بعيدة عن عملية التسويق الإلكتروني.والسبب هو تخلف البلدان العربية عن ركب التعاملات الإلكترونية. والسبب في هذا التأخر يعود إلى أسبابٍ عديدة منها: ضعف البنية التحتية للتسويق الإلكتروني وعدم وجود الخبرة الكافية والافتقاد للاستقرار التشريعي لهذه الدول وعدم وجود آلية وقوانين واضحة في الاستثمار بالدول العربية، وكذلك القيود المفروضة على المستثمرين التي تحد من نقل الأرباح والمطالبة بتدويرها داخل البلد.
لقد دلت الإحصائيات عن استخدام شبكة الإنترنت في البلدان العربية بأنها تشكل نسبة0.6% من تعداد السكان بينما في الدول المتطورة،فإن النسبة تبلغ88% من تعداد السكان.والسبب في هذا الفرق أن البلدان المتطورة أوجدت البنية التحتية للإنترنت وبتكلفة تجعلها في متناول الجميع.والفرق شاسعا بين البلدان العربية وتلك المتطورة،حيث يأتي على رأس الدول العربية، الإمارات المتحدة بحيث بلغت نسبة المشتركين بالإنترنت24.44% من تعداد السكان فهي تحتل المرتبة22من بين دول العالم ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 38% من عدد السكان بحلول عام2005،يليها كل من مصر،البحرين،قطر،الكويت ومن ثم لبنان.وبلغ مجموع مستخدمي الإنترنت في البلدان العربية حتى نهاية عام 2002حوالي3.54مليون مستخدم.
كما يرتبط بهذا الموضوع المتعلق بالبنية التحتية انتشار الحواسب المضيفة (المخدمات) في العالم العربي بحيث تتفاوت النسبة بين البلدان العربية فالعدد في الإمارات المتحدة يقترب من المعدل العالمي بينما في دولٍ عربية أخرى لم تدخل بعد في وضع الحواسيب على الإنترنت
ويرتبط بعدد الحواسب المضيفة عدد مزودي الخدمة على الإنترنت(ISP)Internet Service Providers الموجودين في كل بلد عربي حتى عام 1999 أن بعضها يعتمد سياسة مقدم الخدمة الوحيد وبعضها الآخر يتجه إلى منح القطاع الخاص إمكانية تقديم هذه الخدمة بهدف تحقيق المنافسة والجودة ورخص الأسعار وهذه الخدمة متغيرة حسب تغيرات السوق.
كما نميز في هذا السياق أهم المداخل للتسويق الإلكتروني وهي البوابات Portals التي تحتوي على مداخل التجارة الإلكترونية والمصارف والدعاية كما تحتوي على روابط لمواقع المتاجر الإلكترونية العربيةLinks وهذه البوابات يمكن أن تكون موجِهة لكل الدول العربية وتساهم بالتجارة البينية ويمكن أن تكون محلية وبعض البوابات تعمل باللغة العربية والإنكليزية أو الفرنسية وبعضها باللغة الإنكليزية فقط
أن هذه البنية التحتية المتواجدة في الدول العربية مقارنة بالدول المتطورة تشكل بنية ما تزال في بداية الطريق الأمر الذي تنعكس آثاره على مستوى التسويق الإلكتروني ونموه،ففي استطلاعٍ في الجزائر حول ما إذا كان المشاركون بالاستطلاع يعرفون موقع ويب للتسويق الإلكتروني كان الجواب 90.14% بأنهم لا يعرفون مقابل9.86% وهذا ما يؤكد أن المتاجر الافتراضية في الجزائر كما هو في غالبية البلدان العربية لم ترقَ بعد إلى المستوى المطلوب في التسوق الإلكتروني. ذلك أن أغلب المتاجر الإلكترونية العربية هي متاجر للعرض والإعلان فقط وبذلك هي تمارس عملية التسويق الإلكتروني بشكلٍ غير كامل.أن دورة التجارة الإلكترونية لا تكتمل بالإعلان والعرض فقط إذ لا بد من،إتمام العملية حتى إيصال المنتَج إلى المشتري في المكان والزمان المناسبين.وبسبب عدم وجود بنية لوجستية كاملة في البلدان العربية فإن أغلب المتاجر الإلكترونية تكتفي بتنفيذ نصف دورة التسويق الإلكتروني.وهو ما يطلق عليه البعض التسويق الإلكتروني الساكن. ويقسم الباحثون المتاجر الإلكترونية العربية إلى ما يلي:
أ- متاجر تقوم بعمليات العرض والإعلان فقط.
ب- متاجر تمارس التسويق الإلكتروني الكامل من حيث العرض والبيع والتسوية المالية بواسطة البطاقات الائتمانية وهي قليلة جداً.
ت- متاجر تتيح للعملاء الاتصال معها بواسطة البريد الإلكتروني للتعرف على المنتجات وتتم عملية البيع والشراء والدفع والتحصيل بطرق غير إلكترونية كالبريد العادي،وأغلب المتاجر العربية تقوم على هذا النمط.
ث- متاجر إلكترونية انتقالية تقوم بعمليات البيع والشراء والاتفاق بواسطة شبكة الإنترنت غير أن عملية الدفع تتم عند التسليم وهذه المتاجر تسعى لتطوير خدماتها لتصبح متاجر إلكترونية كاملة من خلال توفير التجهيزات اللازمة وتحقيق الأمن المالي الكافي.
وعلى الرغم من التأخر النسبي للبلدان العربية غير أن بعض الشركات بدأت ببناء قاعدة للتجارة الإلكترونية في عدد من القطاعات مثل البتروكيماويات،الغاز،المناجم،التعدين.ومن بين الشركات التي تستخدم التجارة الإلكترونية في مجال التسويق وتنمية الأعمال وتنفيذ العقود هي شركة (أرامكو). أما في مصر فقد تم بناء عشرة مواقع ظهرت عام 1998 لتقديم التعاملات التجارية،وقد ازداد العدد ليصبح 184موقعاً عام2000غير أن المواقع التي تقوم بالبيع فعلياً يتراوح بين10-20موقعاً.
وفي تونس تطور عدد مستخدمي الإنترنت ليصل إلى 570000مستخدم عام2003.وقد قامت الحكومة بإنشاء اللجنة الوطنية للتجارة الإلكترونية عام1997بغية اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطوير هذا المجال وذلك لتحقيق ما يلي:
• تسهيل التصدير باستخدام التقنيات الحديثة.
• إنجاز تجربة نموذجية للتجارة الإلكترونية.
• وضع إطار قانوني ملائم( القانون رقم83 لعام 2000 المتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية).
• تحسين القدرة التنافسية للمؤسسات التونسية.
وقد تمكنت تونس من إنجاز بعض التقدم في هذا المجال :
*- إحداث وسيلة دفع إلكترونية ( الدينار الإلكتروني)والذي أسهم في تنمية التجارة الإلكترونية بمختلف إشكالها.
*- دفع فواتير الماء والكهرباء عبر الإنترنت.
(أبا زيد،مجلة جامعة تشرين للدراسات2005،74).
أما في الجزائر،فقد بدأت عملية الربط مع شبكة الإنترنت في آذار1994عن طريق مركز البحث والإعلام التقني التابع لوزارة التعليم العالي،الذي عمل على إقامة شبكة وطنية وربطها بشبكات إقليمية ودولية.وقد بلغ عدد المستخدمين للشبكة عام 2002 حوالي 250000 مستخدم والمشتركين حوالي 45000 مشترك أي حوالي 0.60% من عدد السكان وقد قام المركز بالتحضير لخوض غمار التجارة الإلكترونية من خلال تنمية البرامج وبناء المواقع التجارية،أي تحضير البنية التحتية لهذا النوع من التجارة.
واعتماداً على هذه الأرقام عن استخدام الإنترنت في البلدان العربية فقد تفاوت حجم التسويق الإلكتروني فيما بينها بحيث تصدرت دول مجلس التعاون الخليجي رأس القائمة بمبلغ مقداره1.3 مليار دولار تليها مصر بمبلغ 500 مليون دولار فيما كانت الدول العربية الباقية تتوازع المبلغ الباقي البالغ 3 مليار دولار ويتوقع أن يصل الرقم إلى 5 مليارات دولار نهاية عام2007.(أخبار عروب2007،4).
لقد بدأت بواكير المواقع الإلكترونية العربية بالظهور لتوفير التسويق الإلكتروني،غير أن هذه المواقع تفتقد للاحترافية والنضج،الذي تتمتع به المواقع العالمية المشهورة،مثل أمازون دوت كوم وغيرها.وقد تكون هذه المواقع تستنسخ بعضها البعض بغية إقناع المستخدمين بممارسة التسويق الإلكتروني،وترتكز أهمها على الكتب وألبومات الصور والأغاني والموسيقى،والأفلام،والبرمجيات وبعض المواد الترفيهية الأخرى. أن إجمالي الإنفاق العربي في مجال التجارة الإلكترونية لا يزيد عن 95 مليون دولار سنوياً.وأكثر المتعاملين في هذا المجال ينفقون لشراء برامج الحاسب الآلي بنسبة70% والنسبة الباقية للهدايا والكتب.وأن 80% من المشتريات تتم من مواقع غير عربية .
ومن المواقع الرائدة في منطقتنا العربية هي موقع مكتبة النيل والفرات التي أنشأت1998 في بيروت وقد أكد مدير الشركة أن حجم الأعمال الإلكترونية العربية ضئيل مقارنة بالغرب، والسبب يعود إلى ضعف الإمكانيات وقلة انتشار الإنترنت. لقد تطور هذا الموقع حتى أصبح يقبل وسائل الدفع التقليدية وهي بطاقات الائتمان العادية بالإضافة إلى بطاقات الدفع الافتراضية المخصصة للشراء عبر الإنترنت.يمثل نمو التسويق الإلكتروني في هذا الموقع ما نسبته25% سنوياً وهو معدل يبشر بالزيادة المطردة.
أما موقع uaemail.com في الإمارات المتحدة فقد لاقى بعض النجاحات،حيث لم يقتصر على بيع الكتب والبرمجيات بل تعدى ذلك إلى بيع السيارات والهواتف النقالة. ويقوم بتوفير كافة المنتجات للزبون الإلكتروني داخل وخارج دولة الإمارات المتحدة. أن هذا الموقع لا يعاني من محدودية للانتشار الإقليمي والعالمي بل يتلقى الطلبيات من مختلف دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية بحيث يتم إرسالها بواسطة التوصيل السريع.غير أن هذا الموقع لم يعتبر- على حد تعبير المدير التنفيذي- أن استخدام البطاقات حلولاً ناجعة بسبب فقدان الأمان عبر الشبكة،لذلك يقتصر على التعاملات بالطرق النقدية العادية. أن هذا الموقع كغيره من المواقع العربية، يقوم بعرض المنتجات باللغة الإنكليزية،لأن المواصفات بالأساس بالإنكليزية، وهذا ما يتعذر توفيرها باللغة العربية.
أن هذه البوادر العربية في مجال المواقع المخصصة على الشبكة العنكبوتية،واستخدام بطاقات الدفع الإلكترونية،تعتبر واعدة في مجال التسويق الإلكتروني،وأن مسألة تطور الأسواق الإلكترونية في المنطقة هي مسألة وقت، ذلك أنها تحتاج إلى مزيدٍ من الوقت للوصول إلى مرحلة الدول المتطورة في هذا المجال.