هناك العديد من المعوقات التي تعترض عملية التسويق الإلكتروني في البلدان العربية التي تشكل المتطلبات الأساسية في حقل التسويق الإلكتروني وهي مشكلة ثلاثية الأبعاد تتمثل كما يلي:
1- متطلبات البنى التحتية:
وهو مطلب ذو طبيعة تقنية يتصل به متطلبات بناء وتطوير الكوادر البشرية في حقل المعرفة التقنية ومتطلبات استراتيجيات إدارة مشاريع المعلوماتية في القطاعين العام والخاص وسلامة التعامل مع لغتها ومتطلباتها.غير أن الجهود العربية في هذا المجال تتواصل لبناء البنية التحتية اللازمة للتسويق الإلكتروني.غير أننا لا نستطيع القول بأن الكثير قد تحقق في هذا المجال،إذ ما تزال غالبية الدول العربية تعاني من مشكلات البنى التحتية في حقلي الاتصال والحوسبة،فقد بينت الدراسات بأن عدد المخدمات الآمنة في العالم العربي ضعيف فهو بالآحاد لكل دولة،ذلك أن الأعمال الإلكترونية e-Business تتطلب تبادل معلومات خاصة بالأعمال التجارية والتي تحتوي على أسرار تجارية وصناعية وتداولات مصرفية كان لا بد من أن تكون المخدمات أو الحواسيب المضيفة آمنة Secure وأن تكون هناك بنية تحتية للاتصالات آمنة Public Key Infrastructure (PKI)هذه البنية تقوم على وجود مخدمات آمنة إضافة لوجود الطرف الثالث Third Partyالذي يضمن الجهات المتعاملة مع بعضها على الإنترنت وضمان البرمجيات.لذلك على البلدان العربية العمل على تقوية كفاءة قطاع الاتصالات فضعفها يؤثر في قدرة وأداء القطاعات الاقتصادية الأخرى. كما يتوجب زيادة الإنفاق العام على البنية المعلوماتية وإيجاد البنية التحتية التي تتيح الاتصال بالإنترنت والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها،كما يتوجب تخفيض تكلفة الإنترنت.بالإضافة إلى ذلك فإن البلدان العربية تعاني من النقص أو عدم الاستثمار الكافي للكفاءات والكوادر المؤهلة للتعاطي مع متطلبات البناء التقني الفاعل،مع غياب استراتيجيات إعادة بناء مساقات التعليم في حقل التكنولوجيا والمعلومات والتأهيل والتدريب التطبيقي ووسائلها جميعاً.
أن الحاجة للتحول إلى تطبيقات التسويق الإلكتروني عن غيرها من أشكال التسويق الأخرى تحتاج إلى نوعية من العاملين تختلف عن غيرها.فكلما كثرت مراحل التبادل التجاري الإلكتروني،زادت الحاجة إلى مهارات محددة ومؤهلة للتعامل مع هذه المبادلات.ولا تمتلك البلدان العربية شأنها في ذلك شأن بقية بلدان العالم النامية حتى الآن أيدي عاملة متعددة المهارات في كافة المجالات المتصلة بالإنترنت حتى وأن كان البعض متقدماً في مجال بناء هذه الطاقات.كما تشهد معظم الدول العربية والنامية بشكلٍ عام نقصاً ملحوظاً في عدد الأفراد الملمين جيداً بتقنيات الكمبيوتر والمعلومات.لذلك فإنه يتوجب تكثيف الموارد البشرية ذات الكفاءة والخبرة العالية وهو شرطٌ أساسي للبيئة المواتية للتسويق الإلكتروني وأن تنمية رأس المال البشري هي بالأساس عملية تعليمية يتزود فيها الفرد بالأسس العلمية المطلوبة،وهي ثانياً عملية قدرات فنية تدريبية يكتسب فيها الفرد مهارات علمية متخصصة وهي ثالثاً عملية إدارية يتم فيها تأهيل الأفراد لإدارة وتنفيذ النشاط الإنمائي بجوانبه المختلفة وهي أخيراً مسألة سلوكية تهدف إلى التأثير في السلوك الاجتماعي للفرد وتنمية القيم المطلوبة.
ومن المشكلات التي تعاني منها البلدان العربية أيضاً إضافةً إلى ذلك احتمال وجود معدل دوران مرتفع لموظفي تقنية المعلومات.كما تفتقر الجامعات إلى التجهيزات اللازمة لتوفير التدريب المطلوب في مجال تقنية المعلومات الذي يحتاجه القطاع الخاص. كما تشكل اللغة عائقاً أمام استخدام الإنترنت في البلدان العربية والنامية لأن معظمها يعمل باللغة الإنكليزية.
قبل البدء بالتسويق الإلكتروني يتوجب على الحكومات العربية بناء بنية تحتية قوية من وسائل حديثة من شبكات اتصال وتوفير الإنترنت ومراكز الأبحاث والتدريب واعتماد المعلومات والبيانات العلمية في حياة المجتمع.ويجب على البلدان العربية بناء قاعدة معلومات لتبادل وتوفير المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات السليمة .فمن خلال استبيان تم في الجزائر مثلاً كان الاستفسار عن مدى الصعوبات(الانقطاع أثناء الاستخدام، بطئ ظهور الصفحات،صعوبة تصفح المواقع،صعوبات التعامل مع البريد، صعوبة الحصول على المعلومات ،وصعوبة التعامل مع الويب)التي يتلقونها أثناء الاستخدام فكانت النسبة الكبرى في الصعوبات التي تتمثل ببطئ ظهور صور الصفحات بنسبة42% أما الصعوبة الثانية فعادت إلى انقطاع الاتصال أثناء الاستخدام للشبكة بنسبة33% والسبب يعود إلى ضعف بنية الاتصال وعدم التحكم في تقنيات الاتصال بالقدر اللازم. والصعوبة الثالثة تمثلت بصعوبة الحصول على المعلومات بنسبة13.48والسبب يعود إلى جهل قواعد البحث في المحركات.والصعوبة الرابعة تمثلت بصعوبة استخدام برامج التصفح واستخدام برامج البريد الإلكتروني وصعوبة التعامل مع الويب بنسبة11.22ويعزى ذلك إلى أن المستخدمين حديثي العهد باستخدام الإنترنت وتنقصهم الخبرة في ذلك.
كما يتصل بهذا المطلب الحاجة إلى إدارة جيدة وخطط واضحة لمواجهة التغيير المستمر في حركة الأسواق،سواء محلية أم عالمية.والتسويق فن يصعب ممارسته إن لم يتوفر له المختصون في هذا المجال.وهذه الناحية تشكل إحدى الصعوبات التي تواجه منظومة التسويق الإلكتروني والعاملين فيه في الوطن العربي.أن ما يحدث في الشركات العربية هو فقط اجتهادٌ تسويقي غير مدعم بالتخصص،وأحياناً يكون هناك تخبطاً حقيقياً في استخدام الطرق والوسائل المقلدة بالمواقع المتواجدة على ساحة الإنترنت التي ربما لا تكون الأسلم والأفضل للتعريف بماهية الرسالة التي يرغب العامل في إدارة التسويق إيصالها.ولا تخرج هذه الوسائل عن كونها تجربه وانتظار النتائج وردة الفعل،كما لا تخرج عن كونها أسلوب الخدعة والإغراء مثله مثل عمليات التسويق التقليدي وفقاً لرأي صاحب إحدى الشركات.
ويضاف إلى هذه الصعوبات المتعلقة بالبنى التحتية للتسويق الإلكتروني في البلدان العربية،عدم تخطي غالبية الدول العربية مشكلات السياسات التسعيرية لبدل خدمات الاتصال وخدمات تزويد الإنترنت،وهو عامل حاسم لزيادة عدد المشتركين كمدخل ضروري لوجود السوق التجارية الإلكترونية العربية؛أن هذه السوق ليست فقط سوق المواقع التجارية على الشبكة،بل هي بالأساس سوق المستخدم أو الزبون الذي يساهم في بقاء وتطور هذه المواقع والذي يكون فيها أسعار الاستخدام للشبكة الدولية عاملاً حاسماً في تحديد بقاء وتطور هذه المواقع.
تسعى الدول كافة لخفض أسعار الإنترنت بينما الأسعار في بعض الدول العربية ما زال مرتفعاً ولكن بعض الدول العربية بدأت تشهد تخفيضاً لأسعار استخدام الإنترنت.والجدول التالي يبين الأسعار المقارنة للاشتراك الشهري أو الساعي لبعض الدول العربية مع الدول المتطورة بالدولار الأميركي:
ويلاحظ في الآونة الأخيرة اتجاه نحو تخفيض الأسعار الهاتفية في سورية ومصر ولبنان وخصخصة الاتصالات في بعض الدول العربية مثل عمان للتوجه نحو مجتمع المعلوماتية والأعمال الإلكترونية بشكلٍ أكبر.وسندرس بالتفصيل هذه التخفيضات والتطورات والخدمات الجديدة التي أدخلت على شبكة الإنترنت في سورية في الفصل الخامس
2- متطلبات تنظيمية:
هذه المتطلبات تتمحور حول الإطار القانوني للتجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني بشكلٍ خاص.ذلك أن المؤسسات التشريعية العربية لم تقف إلى الآن وقفة شمولية أمام مفرزات عصر المعلوماتية وآثاره على النظام القانوني ويسود منطق التشريعات المبتسرة والحلول الآنية الجزئية بدلاً من الحلول الشاملة.أن استرتيجية التعامل مع موضوعات تقنية المعلومات،كالتجارة الإلكترونية مثلاً،يتعين أن ينطلق من إحاطة شاملة بما يتصل بالموضوع مناط البحث ومحل التدابير،إذ كيف يكون تشريع التجارة الإلكترونية مثلاً ذو فعالية وملائمة إذا لم يكن النظام القانوني المعني يعترف بالحماية الجنائية للمعلومات من أخطار جرائم الكمبيوتر والإنترنت أو كان النظام القانوني المعني لا يقبل حجية الوسائل الإلكترونية،ولا يعترف بمستخرجات الحاسوب كبينة في الإثبات.
وفي استطلاعٍ للرأي في الجزائر تبين بأن نسبة 29.29% من المستجوبين لا يقبلون إرسال معلومات البطاقة الائتمانية عبر شبكة الإنترنت بسبب انعدام أمن الشبكات وغياب القوانين الجزائية التي تعاقب على هذه الجرائم،بسبب النقص التشريعي في البلدان العربية.
أن هاجس الأمنية هو أحد الأسباب التي تقف عائقاً أمام تطور التسويق الإلكتروني بالصورة المأمولة،ذلك أن السبيل لحل هذه المشكلة تتمثل في توفير الأنظمة التي تنظم التعاملات الإلكترونية،وتضمن حقوق المتعاملين بحيث تتعزز الثقة بتطبيقات التجارة الإلكترونية.لابد لتخطي هذا العائق من إطارٍ قانوني للتجارة الإلكترونية والصفقات المبرمة عن طريقها بصورة تتحدد من خلال حقوق المتعاملين والتزاماتهم مع إيجاد آلية لحل النزاعات بالإضافة إلى اعتماد التوقيع الإلكتروني.لذلك يتوجب على البلدان العربية سن التشريعات اللازمة بغية الحرص على تطبيق أحدث التقنيات من حلول تشريعية وبرامج أمنية لدى الشركات المنخرطة بالتسويق الإلكتروني ولا سيما في ظل تصاعد الهجمات الإلكترونية.
كما أن عامل الخصوصية والسرية من العوائق الأساسية التي تتطلب تشريعاً يحمي سرية المعلومات وخصوصيتها. يضاف إلى ذلك أمن استخدام البطاقات الائتمانية ووقوعها بيد المحتالين والتوقيع الرقمي الإلكتروني وتزويره.لقد بنيت محاولاتٍ جادة لمكافحة ذلك عبر مزيجٍ من تقنيات التشفير والأنظمة القانونية باستخدام التوقيع الإلكتروني المنصوص عليه في بعض القوانين التجارية سواء على المستوى المحلي العربي أو العالمي؛إذ لا يمكن أن يزدهر التسويق الإلكتروني بلا التوقيع الإلكتروني،إلا إذا كان الأمر يتعلق بالترويج لسلعة أو لخدمة ما. ويحتاج التوقيع الرقمي الإلكتروني إلى ضمانات توفر الحماية لمن يوقع إلكترونياً.كل ذلك يتطلب تدخلاً تشريعياً من قبل البلدان العربية بغية توفير الحماية والأمان أثناء استخدام شبكة الإنترنت للأغراض التجارية،واعتراف التشريعات بما أنتجته التقنيات الحديثة كمستندات لإثبات التصرفات القانونية لحماية المتعاملين وهذا من شأنه أن يساهم بتطوير عملية التسويق الإلكتروني،حتى تستطيع المؤسسات الاقتصادية العربية أن تدخل معترك المنافسة الدولية. وسنرى في الفقرات القادمة ما هي الخطوات التشريعية التي يتوجب على البلدان العربية إتباعها لمجارات التطور التقني لعملية التسويق الإلكتروني؟.
3- متطلبات تنافسية:
يتعلق هذا المطلب بتطوير الأعمال الإلكترونية لضمان الاستمرارية والتنافسية.أن هذا المطلب وإن كان يعتمد ابتداءً على اتساع رقعة الأعمال وعلى اتساع حجم سوق التجارة الإلكترونية العربية،فإن بناء المشاريع الإلكترونية العربية لا يعكس إقراراً حقيقياً بأهمية هذا المطلب،ذلك أن المطلوب ليس مجرد التواجد على الشبكة،لأن وجوداً دون قدرة تنافسية وتطور دائم يعادل عدم الوجود بل ربما يكون الخيار الأخير أقل كلفة ويوفر خسائر الوجود غير الفاعل على الشبكة.ومع ذلك فإن مئات المواقع العربية،عبر تجاوز مشكلة اللغة قامت باعتماد نظام لغة ثنائي وبرمجيات ترجمة خاصة بالبيئة العربية الأمر الذي مكنها من دخول السوق الإلكترونية. وقد شاع تأسيس المتاجر الافتراضية على الشبكة،أبرزها متاجر الملابس والحلويات،كبعض المتاجر والمكتبات المصرية ،كما ظهرت مواقع خدماتية شاملة،إخبارية وإعلانية وتسويقية للعديد من السلع في مقدمتها المجلات ومنتجات التقنية من الأجهزة والبرمجيات وتعد مشروعات الأسواق الإلكترونية (منصات استضافة مواقع البيع الإلكتروني)في دبي،الكويت،السعودية،الأردن أكثر المشروعات التسويقية الإلكترونية طموحاً ويتوقع أن تحقق نماءً جيداً في مجال التسويق الإلكتروني.
وبناءً عليه فقد أشار نائب شركة النهل للكمبيوتر في السعودية،بأن شركته سوف لن تتوانى بتقديم كل أشكال الدعم لنمو وازدهار التسويق الإلكتروني.غير أن نائب رئيس شركة نسمة الوطنية للاتصالات المتقدمة بالسعودية،يرى بأن دول العالم الثالث بحاجة إلى أن تستوعب التسويق الإلكتروني وأن تتبنى تطبيقاته،ذلك أن التسويق الإلكتروني يحتاج إلى استثمارات ضخمة ،ورؤية منفتحة أكثر تقبلاً للأفكار التقنية العصرية،بالإضافة إلى التخطيط الشامل والعمل الجاد والمتواصل للنهوض والوصول إلى درجة المنافسة الدولية.(صلاح الثبيتي الموسوعة العربية،2006،5).
أن هذا المستوى لعملية التسويق الإلكتروني في البلدان العربية من حيث العدد المتزايد لمحركات البحث التي تم إنشاؤها وتزايد عدد مزودي خدمات الإنترنت وانتشار المواقع المخصصة على الشبكة العنكبوتية ومستوى المعرفة النسبي للعاملين على الأجهزة في مجال التسويق والوعي النسبي أيضاً لعامة أفراد المجتمع لعملية التسويق الإلكتروني تعتبر مبشرة وواعدة لمستقبل التسويق الإلكتروني في البلدان العربية الأمر الذي يساهم في دعم المؤسسات التجارية العربية والقدرة على المنافسة الدولية إذا ما توافرت الأرضية الصلبة للتسويق الإلكتروني،وتم تدارك بعض النواقص للوصول إلى مصاف الدول المتطورة في هذا المجال.